ترفض المنظمات الموقعة أدناه مشروع قانون الإجراءات الجنائية بنسخته الحالية، وتٌطالب بسحبه وإعادته للمراجعة والنقاش مع أصحاب المصلحة الشأن والاختصاص من المحامين والصحفيين والمنظمات الحقوقية قبل إقراره، فالتعديلات المدرجة في القانون بمسودته الحالية يعصف بالعدالة وضمانات المحاكمة العادلة للمواطنين.
بتاريخ 17 أغسطس 2024 الماضي؛ أعلن مجلس النواب عن الانتهاء من مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد ليحل محل القانون الساري، بعد عمل استمر منذ 2017 عندما قدمته الحكومة إلى البرلمان حينها في ليعود النقاش عن القانون مجددا في بدايات عام 2024. ويتوقع أن يُطرح القانون للجلسة العامة للتصويت والنقاش مع بداية دور الانعقاد المقبل في أكتوبر.
عكفت لجنة فرعية تابعة للجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب على العمل عليه -إلى جانب اللجنة الأصلية- والتي بدورها كانت تحت سطوة حكومية سواء على صعيد غلبة وجود أعضاء من الأحزاب الموالية للسلطة، وتمثيل واضح لوزارة الداخلية، والنيابة العامة. في المقابل، كان هناك تمثيل ضعيف بمعدل عضو واحد في المتوسط لكل من الأجهزة القضائية الرسمية، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، وخبيرين أكاديميين في القانون الجنائي. في الوقت الذي ضمت فيه اللجنة الفرعية تمثيل لفئات أقل حيوية للنقاش حول القانون مثل مجلس الشيوخ.
تكشف عدم تمثيل أصحاب المصلحة فئات مثل نادي قضاة مصر، و نقابتي المحامين والصحفيين، ومنظمات المجتمع المدني في كل من اللجنتين، وآخرين بشكل عادل ومعبر عن عدم جدية نوايا السلطات الرسمية كما أدعت في السنوات الماضية حول عقد حوار وطني شامل لحل الأزمات السياسية العالقة؛ وكذلك عن تبني نهج غير بناء في النقاش حيث صاحب الانتقادات لمسودة القانون اتهامات لأصحابها بإثارة الرأي العام وزعزعة الثقة في مؤسسات الدولة، برغم تقدم المعترضين ببدائل عملية للتعديلات المقترحة.
وقد لعب التشكيل المقصود للجنة الفرعية دورا لاحقا في تمرير مشروع القانون عبر التصويت بالأغلبية -وهي آلية مضللة هنا- وانتهى لتمرير المواد التي تمثل مصالح السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة، والنيابة العامة، ووزارة الداخلية باعتبارهم أصحاب الأغلبية التصويتية، على الرغم من الإدعاء بأن كل جهة لها صوت واحد فقط مهما تعدد ممثليها، حيث تظل بالرغم من ذلك أغلبية التشكيل للجانب الرسمي الحكومي.
تبدو وعود التعديل من مجلس النواب مهب الريح برغم موافقته على تعديل بعض المواد وتمسكه بالعديد منها؛ حيث ستبقى تحت طائلة الرفض أو التبديل أثناء الجلسة العامة وفقا لتصويت الأغلبية البرلمانية الموالية للسلطة. كذلك تبقى المواد التي وافق مجلس النواب بتعديلها قليلة مقارنة بعدد المواد ذات الإشكاليات الجسيمة بخصوص حقوق الدفاع والمتهمين، وكذلك دون بيان الصيغة التي سيأخذها التعديل المطلوب في النهاية قبل الإحالة للجلسة العامة للتصويت والنقاش في أكتوبر المقبل. تدور كذلك علامات استفهام حول وعود التعديل في ظل دعوة فئات غير ذات صلة مثل ممثلي هيئة القضاء العسكري للجنة التشريعية ضمن فئات أخرى عقب الهجوم على النسخة المعلنة من القانون للنقاش حول القانون.
تدور فلسفة المشروع حول تطبيع الممارسات و الصلاحيات الاستثنائية التي اٌختبرت طوال فترة الحرب على الإرهاب ودمجها في القضاء العادي، على صعيد تمكين وتحصين قوات إنفاذ القانون ومأموري الضبط القضائي والنيابة العامة، كما تكشف كثيرا عن التسييس الذي لحق بمؤسسة النيابة العامة خلال هذه السنوات. شمل ذلك التحصين حرمان المجني عليهم من رفع دعاوى جنائية ضد الموظفين العموميين بشكل مباشر، وتحصين الموظفين العموميين ضد الجرائم التي لا تسقط بالتقادم كالتعذيب والاعتداء على الحرية الشخصية وحرمة الحياة الخاصة للمواطنين، والسماح لمأمور الضبط القضائي باستجواب المتهم.
وفي الطريق نحو ذلك التحصين، يفتئت القانون بمواده المطروحة على حقوق المواطنين في المحاكمة العادلة، وحقوق ومبادئ الدفاع الموكل عنهم، حيث لا يُبطل القانون الإجراءات في حال لم يبرز رجال الضبط القضائي ومرؤوسيهم ورجال السلطة العامة هويتهم عن القبض أو التفتيش، إضافة لتوسيعه صلاحيات مأمور الضبط أثناء تفتيش المنازل واتخاذ الإجراءات التحفظية المناسبة وفقا لسلطته التقديرية دون إذن قضائي مسبق ودون تحديد دقيق للقرائن المطلوبة.
كذلك يسمح القانون بإجراء النيابة للتحقيق في ظل غياب المتهم أو دفاعه أو وكيل الحقوق المدنية وفق ما تراه. كذلك يُقيد القانون ممارسة الدفاع لعمله حيث يسمح للنيابة بتقييد وكيل الخصم في الكلام إلا بإذن فيما عدا الدفوع والطلبات، إضافة لتقييد حق المتهم والدفاع في الحصول على أوراق القضية والتحقيقات أثناء التحقيقات، إذا رأي ذلك. كما يسمح القانون بتفتيش المنازل دون وجود أصحابها أو من ينوب عنها ودون اشتراط وجود شاهدين من الجيران أو الأقارب وإثبات ذلك في محضر على غرار ما كان عليه الوضع في القانون الحالي.
وعلى نحو غير منفصل عن الحوار الوطني، وكدلالة على عدم جدية النقاش، فقد احتال القانون على مخرجات الحوار الوطني في هذا الصدد من خلال إضافة مسوغ جديد للحبس الاحتياطي وهو “توقى الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام” كما قصر القانون إصدار التدابير الاحترازية على النيابة العامة فقط، برغم قصر مدة الحبس الاحتياطي.كما منح النيابة العامة سلطات القاضي الجزئي والجنح المستأنفة في مد الحبس الاحتياطي في بعض الجرائم دون وجود آلية للطعن على قراراتها. كما سمح للنيابة العامة بمنع اتصال المتهم المحبوس احتياطيا بغيره من المحبوسين ومنع الزيارة عنه دون إخلال بحق الاتصال بالمدافع عنه. وقد مكن القانون المحامي العام من اتخاذ تدابير تحفظية مؤقتة دون حد أقصى زمني للمنع من التصرف والإدارة على أموال المتهمين وأسرهم دون حكم مسبق.
وكإهدار لمعايير المحاكمات العادلة، فقد نص القانون على تقييد علنية الجلسات كلها أو بعضها، وكذلك تقييد حضور فئات معينة لها، دون أن يُحدد القانون ما هي هذه الفئات، إضافة لاشتراط أن يكون البث والنشر عن الجلسة بموافقة كتابية من رئيس الدائرة بعد رأي النيابة العامة. كما سمح القانون للمحكمة لمآخذة المحامي جنائيا لما قد تراه النيابة أو المحكمة تشويشا أثناء “قيامه بواجبه في الجلسة”. وكذلك تمييز مأموري الضبط القضائي والنيابة العامة عن القضاة من خلال إعطاء الحق للخصم في ردهم لكن عدم جواز رد مأموري الضبط القضائي ولا النيابة العامة.
تطالب المنظمات الموقعة أدناه على بسحب مشروع القانون المعلن عنه، وإعادته للنقاش بتمثيل حقيقي ومتوازن وشامل لأصحاب المصلحة الرئيسيين في هذا الملف من نادي القضاة، ونقابة المحامين، ونقابة الصحفيين، وتضمين آرائهم في أي مسودة مقبلة للقانون، والتمهل قبل إصدار هذا القانون، بعد جولات من الحوار المجتمعي والسياسي الحقيقي، والالتزام بنصوص الدستور المصري بشأن المحاكمات العادلة وضمان الحرية الشخصية واستقلال القضاء وحق الملكية وحرمة الحياة الشخصية. وُتعد المنظمات المشروع المعلن عنه ردة عن مكتسبات دولة القانون وتطور القانون الجنائي المصري على امتداد قرن ونصف من الزمان، وعصفا بحقوق المواطنين وتراجعا عن الالتزامات الدولية لمصر، والضمانات الدستورية. وإلى حين الوصول إلى مسودة تتناسب مع المعايير الدولية وتحقق مبادئ الإنصاف والعدالة، يمكن إقرار التعديلات المقترحة بشأن مواد الحبس الاحتياطي في القانون الحالي، التي نوقشت في جلسات الحوار الوطني، بما يسهم في حل أزمة الحبس الاحتياطي التعسفي الراهنة.
المنظمات الموقعة:
- الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
- مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان
- ايجيبت وايد لحقوق الإنسان
- منصة اللاجئين في مصر
- هيومينا لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية
- ريدوورد لحقوق الإنسان وحرية التعبير
- مؤسسة دعم القانون والديمقراطية
- المفوضية المصرية للحقوق والحريات
- الشبكة المصرية لحقوق الإنسان
- المنبر المصري لحقوق الإنسان